خذ العبرة واترك الباقي.
جريدة صوت الاطلس / الدكتور محمد رزوقي
من القصص القصيرة التي استوقفتني، تلك التي كتبها المبدع عزيز نيسين ومفادها: أن عائلة تعيش في بيت كبير.. ونظرا لقلة ذات اليد، لم تر مانعاً من أن تؤجر حجرة منه.. ثم حجرة ثانية.. ثم حجرة ثالثة.. وهكذا.. جرى المال في يد الأسرة..
وراحت تنفقه على أشياء لا لزوم لها.. لكن المستأجرين سرعان ما ضجوا بالشكوى من قلة المياه.. فوافقت الأسرة على أن تقترض منهم لإصلاح المياه.. ثم اقترضت منهم لإصلاح شبكة الصرف.. ثم اقترضت منهم لإصلاح طرقات الحديقة.. ولأنها عجزت عن السداد.. فقد سمحت بمزيد من الغرباء يدخلون البيت ويسكنون فيه.. ثم سمحت لهم بالسيطرة على الحديقة.. ثم تركت لهم كل البيت وسكنت فوق السطح.. ثم لم تجد مفراً من أن يعمل أفرادها في خدمة هؤلاء الغرباء.. فصاروا خدماً لهم..
وهنا صرخ المتفطن من الأبناء: إن هذا البيت لم يعد بيتنا.. نحن الذين أصبحنا فيه غرباء.. ثار غضب الأب جراء ما سمعه من ابنه.. وسارع لفتح خزانته السرية وأخرج منها وثيقة قديمة تثبت أنه ورث البيت أباً عن جد.
ومباشر بعد نشر القصة، اعتقل عزيز نيسين وأدخل السجن.
وأثناء التحقيق، سأله المدعي العام صاحب الزي العسكري إن كان يقصد الوطن بهذا البيت..
فابتسم عزيز نيسين ابتسامة ساخرة وقال: مادمتم بهذه الفطنة يا سعادة المدعي العام، فلماذا فتحتم أبواب وحجرات الوطن للغرباء حتى احتلونا بالديون وأصبحنا نحن الغرباء رغم سندات الملكية التي نحملها ونحن سعداء؟؟!!
اندهش سعادته وسقط ما بيده من هول الجواب… وقال أحد من حضر المحاكمة أنه رأى بأم عينه ماء أصفر اللون يسيل من تحت كرسي القاضي..
