تاريخ مقاومة قبائل أزيلال: قبيلة آيت عياض نموذجا.
admin
يناير 1, 2023
اخبار جهوية
1,694 زيارة
تاريخ مقاومة قبائل أزيلال: قبيلة آيت عياض نموذجا
يكتبها الدكتور محمد رزوقي لجريدة صوت الاطلس.
نروم من وراء هذه الورقة التعريف بمساهمة قبائل إقليم أزيلال في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وبيان دور أبناء هذا الإقليم العزيز في توحيد جهود الأمة والدود عن وحدة الوطن واستقلاله. وسنخصص هذه المقالة الأولى للتعريف بجهود قبيلة آيت عياض أولا على أن تاليها في القادم من المقالات إن أنسأ الله في العمر، التعريف بجهود بقية القبائل. ولم يكن اختيارنا لقبيلة آيت اعياض ابتداء عبطيا، وإنما فرضه علينا كونها مسقط الرأس ولها مكانة كبيرة في القلب. وقد صدق في أهلها قول الشاعر:
وأنتم أهل بيت لايوازنهم بيت إذا عدت الأحساب والعدد
أيديكم فوق أيدي الناس فاضلة ولن يوازنكم شيب ولا مرد .
فنقول؛ تعود أولى المواجهات التي دارت فوق تراب إقليــم أزيلال بين قوات الاحتلال الفرنسي ومجاهدي المنطقة، حسب ما وقفنا عليه إلى سنة 1912 وبالتحديد يوم 27 نونبر 1912 حيث دارت مناوشات بين المقاومين المحليين وقوات الاحتلال في منطقة فم الجمعة بقبيلة هنتيفة. إلا أن أولى وأعنف المواجهات الدامية هي تلك التي دارت رحاها بسيدي علي بن ابراهيم بقبيلة آيت عياض أيام 27-28-29 أبريل 1913، بين قبائل آيت عياض وآيت بوزيد وآيت عطا نومالو من جهة وبين قوات الاحتلال بقيادة الكولونيل “ركيستون” والطبيب ماليط من جهة أخرى. وقد وصفها كل من الجنرال كيوم والماريشال اليوطي في تقاريرهما بمحنة سيدي علي بن ابراهيم، وقد ذكر البعض الآخر من المسؤولين الفرنسيين في تقاريرهم أسماء الضباط والجنود الذين شاركوا فيها، وكذا أسماء القتلى، ومن بين من تذكرهم التقارير في عداد القتلى القبطان ركيستون والطبيب الماجور المساعد ماليط وضابطي الصف رافيي، وبيان ومن الجنود: أكوستيني، بيان موسى تراوري، بكاري تراوري، بامبا ساونكو، نسدجي ديارا، مديي ديارا، مامادي سيسي، علي باو، دامبا سيسيكو، وقد سردت بعضا من هذه الأسماء بقصد التمثيل فقط. والملاحظ من خلال أسماء هؤلاء القتلى أن كثيرا منهم من جنسية أفريقية، وهذا ما يؤكد استقدام فرنسا لفيالق من الجنود من مستعمراتها الأفريقية، ووضعها في الصفوق الأمامية، أي في فوهة البركان. من أجل التخفيف من عدد القتلى في صفوف بني جلدتها.
وكان ممن قاد هذه المعارك وشارك فيها ضباط فرنسيون كبار أمثال مارتي قائد الفوج الفرنسي الرابع A، والكولونيل دوديف والقبطان ريشارد ديفيري والقبطان ريفير والقبطان جيكودون والقبطان باري والقبطان جوليت وعدد آخر ليس بقليل لم يسعفنا المجال لذكر أسمائهم.
ومما ميز المقاومة الباسلة في منطقة آيت عياض عامة وسيدي علي بن ابراهيم خاصة، هو مشاركة المرأة العياطية إلى جانب شقيقها الرجل في مقاومة المستعمر الغاشم. وقد شاركت النساء من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية دون كلل ولا ملل في مقاومة المستعمر، وهذا ما أشار إليه القبطان كوربي في مذكراته، إذ سجل وجود عناصر من الجنس اللطيف من بين القتلى في معركة سيدي علي بن ابراهيم، فأشار إلى وجود فتاة في مقتبل العمر من بين المستشهدين، كما سجل وجود امرأة مسنة وفي جعبتها مزودة مليئة بالرصاص.
وأمام هذه المقاومة الشديدة التي أبانت عنها قبائل بني عياط في مقدمة إقليم أزيلال، تراجعت القوات الاستعمارية، مدركة أن بسط سيطرتها على هذا الإقليم لن تكون سهلة ولا يسيرة. وهذا ما جعلها لم ترجع لها إلا بعد مرور ثلاث سنوات؛ أي في أواخر عام 1915م، ولم تتمكن من بسط سيطرتها على هذه المنطقة إلا بعد أن وفرت لمشاتها حماية جوية في أواخر عام 1916، استخدمت فيها الطائرات مختلف أنواع الذخيرة.
وشهدت القبيلة أيضا تعرض قريتي تيزكي وإيفرغص من آيت عياض يوم 26 نونبر 1916 لهجوم الفرقة المتنقلة لتادلة بقيادة الكولونيل أوبير مدعومة من طرف أنصارها بقبائل بني موسى وفرقة الكوم لدار ولد زيدوح عقابا لهما على هجومهما يوم 18 نونبر 1916 على دواوير الكرازة بسبب استسلامها للمستعمر. وقد خلف هذا الهجوم حوالي 150 شهيدا في صفوف المقاومين من آيت عياض الذين كانوا مؤازرين من قبل قبيلة آيت عتاب . فيما تشير التقارير الفرنسية إلى أن خسائر قوات الاحتلال لم تكن بالهينة.
ولم تكن تحركات القبيلة لمواجهة قوات الاحتلال منفردة؛ أي لم تكن كل قبيلة تقاوم بمعزل عن جاراتها، بل إن الاتصال والتشاور بين زعماء القبائل كان قائما باستمرار من أجل وضع الخطط وتوحيد الصفوف لمواجهة العدو، وقد جاء في كتاب المعسول للمختار السوسي “أن قبائل آيت عياض وآيت مصاد وآيت عتاب وغيرها قد اجتمعت حركاتها في المكان المسمى حميري في ناحية بني مسكين لمواجهة قوات الاحتلال النازلة في بلاد الشاوية”. ومشاركة قبائل آيت عتاب وآيت بوزيد وبني عياض ,وآيت عطا نومالو في معركة يوم 26 أبريل 1913 بالعين الزرقاء بأراضي بني موسى.
هذا الانخراط القبلي في مواجهة المحتل، في ظل ضعف السلطة المركزية، هو ما جعل فاتورة الاحتلال باهضة على المستعمر؛ وهو ما دفعه إلى نهج سياسة فرق تسد، وإثارة النعرات القبلية واستقدام المقاتلين من مستعمراتها. لكن هذا لم ينفع كثيرا إذ سرعان ما تهاوت المخططات الاستعمارية وتم تتويج الوطن بالاستقلال.