استنطاق لسجل الذكريات بقبيلة أولاد عبدالله_بإقليم الفقيه بن صالح.
بقلم الأستاذ:أحمد العباسي لجريدة صوت الأطلس.
وداعا صولة ” الوادي”
عشنا فترة هيجان الوادي وهدير أمواجه، ولم نكن نعتقد أن عبوره من ضفة إلى أخرى سيصبح بهذه السهولة وهذا اليسر، إذ كان الماء يكاد يصل إلى الركبتين، في فصل الصيف خصوصا ……
بالأمس القريب كان منسوب مياه نهرأم الربيع يرغم الساكنة على التسلح بالشجاعة،وإتقان السباحة”خصوصا في غياب قنطرة”، التي لازالت حلما مستعصيا عن التحقق……بالأمس كان فصل الشتاء إسما على مسمى، حيث كانت الأمطار تقيم الأيام والليالي، ولاتغادر إلا بعد أن ترتوي الأرض، ويتوسل الإنسان إلى الله أن يوقفها ويجعلها على” قدالنفع”….
يومها كانت الجبال والمرتفعات تساعد على ملأ وادي أم الربيع، الذي ينطلق من ينابيعه مكشرا عن أنيابه مزمجرا،حاملا على ظهره ما يقتلع من أشجار وما يصادف من حيوانات، وبقايا أكواخ، مرغما بعض ساكنة جنباته على إخلاء مساكنهم، تفاديا للأسوء وهو في حالة هيجان….. كان يغري الساكنة بالمشاهدة والتمتع، فيتوافدون فرادى وجماعات، ليأخذوا أماكنهم على التلال المطلة على الوادي.
تبدلت الأحوال فقلت الأمطار وتقلص زمن سقوطها،واختفت الرمال التي كانت مادة للبناء، ومستلقى للأجساد بعد خروجها من الماء،لتلقي أشعة الشمس، واندثرت بعض الأشجار التي كانت تقدم منتوجها للمارة ك ” دالية آيت البصير _كرمة سي محمد بن صالح الخير _توتة الباشا ، وتقلصت أشجار الصفصاف التي استخدمت في صناعة اواني الكسكس”الگصاعي”، واختفى الكثير من ” الدردار”،الذي ظل يغطي جنبات مدول أولاد أحمد، واختفت الأسماك التي كنا نلحظها تتطاير امام النساء أثناء غسلهن لحبوب القمح والشعير، وغاب صيادو السمك بشبابيكهم الكبيرة”الجراف”، والصغيرة التي كانوا يفرغون محتوياتها في سلال قصبية على ظهورهم المبللة.
هاجرت أنواع من الطيور أوكارها في الكهوف والمغارات، فلم نعد نرى مثلا”همهام” بنظرته المخيفة،و “بليمون” بألوانه الزاهية، و”بوشرقرق” بصوته الخشن و”لحداية” وهي ترقب ضحاياها من أعلى و”بوعميرة” وهو يتحين فرصة انشغال النساء للإنقضاض على صغارالدجاج.
هذه الصور ووصف يعكس جمال الطبيعة التي كانت أولاد-عبد الله منسرحا لها والتي أردت تذكير بعض شبابنا بها، متمنيا أن تظل هذه الربوة منطلقا للعزة والكرامة والتضامن رغم ما يطفو على السطح من اختلافات.