وزارة الداخلية تجر 302 منتخبات الى القضاء .مسار جديد في تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة
admin
7 ساعات مضت
اخبار وطنية
10 زيارة
وزارة الداخلية تجر 302 منتخبا إلى القضاء.. مسار جديد في تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة
ياسين بالكجدي.. خريبكة

في خطوة تعكس حرص الدولة المغربية على تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، كشفت وزارة الداخلية عن أرقام لافتة تتعلق بعدد المنتخبين الذين تمت إحالتهم على القضاء أو وُجّهت في حقهم طلبات عزل، حيث بلغ عدد المتابَعين قضائيا 302 منتخبا، من بينهم 52 رئيس جماعة و69 رئيسا سابقا، إلى جانب 216 طلبا للعزل قدمت إلى المحاكم الإدارية المختصة.هذا الإعلان يأتي في سياق وطني يتجه نحو تعزيز الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي، بعد أن باتت العديد من المجالس الجماعية موضوع تقارير ميدانية كشفت عن اختلالات في التسيير وسوء استعمال للموارد العمومية، فضلاً عن منح رخص ومشاريع خارج الإطار القانوني، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى اتخاذ إجراءات حازمة لتصحيح الوضع.وتشير مصادر مطلعة إلى أن المتابعات شملت عدداً من المنتخبين الحاليين والسابقين، على خلفية مخالفات تتنوع بين سوء تدبير المال العام، وتضارب المصالح، واستغلال النفوذ، وتجاوز الصلاحيات الإدارية، فيما جاءت طلبات العزل بناء على تقارير صادرة عن المفتشية العامة للإدارة الترابية، بعد عمليات افتحاص دقيقة شملت مختلف جهات المملكة.ويرى متتبعون أن هذه المعطيات تعكس إرادة واضحة لدى وزارة الداخلية في تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، الذي يشكل أحد أعمدة النموذج التنموي الجديد، ويعيد الاعتبار لدور الجماعات الترابية كركيزة أساسية في التنمية المحلية. فالمساءلة لم تعد خيارا ظرفيا، بل أصبحت ممارسة مؤسساتية تهدف إلى تصحيح مسار التدبير الجماعي وضمان حسن استعمال المال العام.في المقابل، حذر خبراء في الشأن المحلي من أن ارتفاع عدد المتابعات قد يعكس أيضا خللا بنيويا في منظومة التكوين والتأهيل التي يتلقاها المنتخبون، معتبرين أن جزءا كبيرا من الإشكاليات يعود إلى ضعف الكفاءات التدبيرية، وغياب التأطير القانوني والمواكبة المستمرة، وهو ما يفتح الباب أمام ارتكاب أخطاء أو تجاوزات قد تكون أحيانا نتيجة جهل بالقوانين وليس بالضرورة فسادا متعمدا.
وتأتي هذه التحركات في وقت تعرف فيه العلاقة بين الإدارة والمجالس المنتخبة تحولات عميقة، يسعى من خلالها المغرب إلى إعادة ترتيب منظومة الحكامة الترابية وفق مبادئ الفعالية والمساءلة، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية التي تؤكد باستمرار على ضرورة الرفع من أداء الجماعات الترابية لتكون في مستوى تطلعات المواطن.ويرى مراقبون أن هذه الموجة من المتابعات القضائية والعزل لن تكون الأخيرة، بل هي مرحلة جديدة من عملية تطهير وتحديث البنية التدبيرية المحلية، تروم إعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة وضمان تنافس شريف بين الفاعلين السياسيين على أساس الكفاءة والنزاهة. كما ينتظر أن تُحدث هذه الإجراءات أثرا ردعيا واضحا في صفوف المنتخبين، وتدفع إلى مراجعة أساليب العمل الجماعي وإعادة الاعتبار للمسؤولية الأخلاقية في الممارسة السياسية.ويبقى الرهان الأكبر، حسب المهتمين، هو تحقيق توازن بين المساءلة الصارمة والتحفيز على المشاركة السياسية، لأن إصلاح الحقل المحلي لا يمكن أن يتحقق فقط عبر الزجر، بل أيضا من خلال تمكين المنتخبين من التكوين والدعم المؤسساتي، حتى يتحول التدبير الجماعي إلى مدرسة للمواطنة والمشاركة الفاعلة.وبين لغة الأرقام ودينامية المراقبة، يبدو أن وزارة الداخلية قد اختارت السير في طريق طويل لكنه ضروري، عنوانه الأبرز: “لا أحد فوق المحاسبة”، في مسعى لجعل العمل الجماعي رافعة حقيقية للتنمية، لا عبئاً على المال العام ولا مصدراً للجدل المتكرر حول سوء التدبير.