الحاج قدور منتصر داكرة التبوريدة باولاد اسماعيل اقليم بني ملال
admin
ساعة واحدة مضت
اخبار جهوية
6 زيارة
الحاج قدور منتصر ذاكرة التبوريدة بأولاد اسماعيل.
عبدالمالك خيري/جريدة صوت الأطلس.

وسط صهيل الخيول، وبين هدير “البارود” وعبق التاريخ، التقينا بالحاج قدور منتصر ابن الحاج امبارك بلقايد، أحد آخر الأحياء من الجيل الأول الذي أرسى دعائم فن التبوريدة بقبيلة أولاد اسماعيل، الواقعة بدائرة قصبة تادلة،حيث ما تزال الروح الفروسية نابضة في شرايين الأرض والناس.
بخطى متأنية، ووجه محفور بتجاعيد الزمن، استقبلنا الحاج قدور منتصر،في مضيفه المتواضع الذي تزينه سروج الخيول،ولباس الفرسان.
قال:كنا نمتطي الخيل قبل أن نعرف كيف نمسك القلم، فالفروسية عندنا ليست هواية، بل تربية وهوية”.
بدأ الحاج قدور منتصر مسيرته مع التبوريدة منذ سن الطفولة،في وقت لم تكن فيه المهرجانات منظمة كما هو الحال اليوم. كانت “الخرجات” تقام في مواسم دينية أو أعراس كبرى، وكان الفرسان يجتمعون على كلمة شرف واحترام تقاليد الآباء والأجداد.
يتذكر الحاج محمد بدايات تأسيس أول “سربة” منظمة في قبيلة أولاد اسماعيل، حيث جمع شيوخ القبيلة بين خبرتهم الفطرية في ركوب الخيل وبين نية صادقة للحفاظ على هذا التراث العريق.
“بديت أنا وبعض الرفاق نسهروا على تنظيم التداريب، نختاروا الخيول، ونشجعوا الشباب على تعلم التبوريدة”، يقول بحماس.
“فهادك الوقت، ما كانوش الإمكانيات، ولكن كان القلب والعزيمة”.
ورغم قلة الموارد، فإن عشق الفروسية، والتعلق بالبارود، وحب “الطلقة” الجماعية، شكلوا دافعاً للاستمرار. تطورت السربة، وبدأت تشارك في المهرجانات الإقليمية والوطنية، حتى أصبحت قبيلة أولاد اسماعيل مرجعاً في هذا الفن.
عندما سألناه عن معنى التبوريدة في حياته، أجاب الحاج قدور بثقة:”هي حياة كاملة.. هي الفخر، هي الرجولة، هي التواصل مع الأرض والناس والله”.
مضيفا بأن التبوريدة ليست مجرد استعراض، بل مدرسة لتعليم الصبر والانضباط والتعاون بين الفرسان.
رغم اعتزاله الفعلي لفن التبوريدة،نظرا أكبر سنه (94 سنة)، ما زال الحاج قدور منتصر يرافق الشباب بالتوجيه والنصح،والدععاء،لكنه يعبر عن قلقه من ضياع الروح الأصلية لهذا الفن:
ولم يكن الحاج قدور منتصر مجرد فارس، بل مُرَبٍّ حقيقي للخيول، غرس في نفوس من حوله حب هذا الكائن النبيل، حتى أصبحت ثقافة الفروسية جزء لا يتجزأ من بيته وأسرته. “كلهم ركاب”، يقول بفخر، مشيراً إلى أبنائه وأحفاده الذين ورثوا عنه هذا الشغف. ويملك الحاج اليوم ثلاث خيول، لا تفارقه أينما حلّ، يعتني بها كأنها من أهله، ويخصّ كل واحدة باسم وطباع يعرفها كما يعرف كفّ يده. الخيل بالنسبة له ليست وسيلة، بل رفيق درب، وقطعة من الروح.
ويناشد المسؤولين المحليين بدعم السربات الشابة، وتوفير الفضاءات الملائمة للتدريب، وضمان استمرارية هذا الموروث الأصيل.
قبل أن نودّعه، طلبنا من الحاج قدور كلمة أخيرة، فقال:”كنتمنا تبقى التبوريدة شامخة، وتبقى قبيلة أولاد اسماعيل دائماً في المقدمة.. وخا نمشي، راه اللي زرعنا باقي، واللي علمناهم غادي يكملو المسار”.
ختاماً، الحاج قدور منتصر ليس مجرد فارس، بل شاهد على زمن بكامله، زمن البارود والوفاء، زمن كان فيه الفرس عنوان الكرامة والتاريخ. وبين ضربة “الطلقة” وصهيل الخيل، ستبقى بصمته خالدة في ذاكرة القبيلة والوطن.