,حدث وعبرة
admin
أكتوبر 15, 2023
كتاب الراي
931 زيارة
حدث وعبرة
يكتبها لجريدة صوت الاطلس ” الدكتور رزوقي مخمد

الثورة الرقمية
يشهد المغرب نزوحا غير مسبوق من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، ويتجلى ذلك من خلال تزايد أعداد رواد شبكات التواصل الاجتماعي. وقد أتاح هذا النزوح عدم المواجهة المباشرة لجمهور الرواد les connectes مع السلطات على أرض الواقع. وقد تعدى أثر الاحتجاج الاجتماعي الافتراضي جميع الهيئات المؤطرة للاحتجاجات من أحزاب ونقابات. بل إن القوة التفاوضية للاحتجاج تتجلى في رمزيتها وجرأتها على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية.
وقد أعاد زلزال 8 سبتمبر 2023 الروابط العائلية والمهنية والقبلية والترابية بشكل مفاجئ عبر تفاعلات ديجيتالية مفتوحة. حيث فضل الجميع الانخراط في مجموعات من قبيل مجموعات قدماء مدرسة كذا أو أبناء دوار كذا.. وهي بنيات افتراضية تتحسس الروابط الاجتماعية من خلال الروابط الافتراضية. إلى درجة يتماهى فيها الاجتماعي بالافتراضي. وهي تفاعلات تكشف عن عودة الأنا بواسطة تقاسم صور الطفولة أو صور العائلة أو صور البلدة أو صور معلمة محلية.. ومن تداعيات استعادة هذه الروابط ظهور تضامن ترابي افتراضي يرتكز على المدينة والقرية والجهة والحي. تجلى في ظهور جمعيات التكافل والإحسان الخاصة بالدواوير والقرى بحيث لا يهتم هؤلاء الرواد إلا بوضعيات محيطهم القريب. وكأن الزلزال ليس وطنيا بل جهويا وإقليميا. أي كأن الروابط الجهوية أقوى من الروابط الوطنية.
من جهة أخرى أتاحت فاجعة الزلزال هامشا تواصليا لتبني تنشئة مجتمعية، خاصة بعد ظهور مبادرات مدنية تروم إرساء فضاء افتراضي وطني ومواطن. فصارت اللمة العائلية الافتراضية واقعا معاشا في الوسط العائلي. من جهة أخرى مكن التداول الافتراضي ظهور بيئة ثقافية جديدة ديجتالية أيقظت بوادر المواطنة الايجابية عند الفرد والجماعة من خلال حمولة رمزية ذات مغزى وطني. كما أسفرت عن ميلاد نوع جديد من “الصحافيين” يمكن أن نسميهم بـ”صحفيي لايف” الذين يشتغلون على منصات التواصل الاجتماعي وينتظرون استجابات معينة من خلال ارتباط تبادلي مع انتظار النتيجة، “لايك”، “جادور”، “كومنتير”..
وقد رافق زلزال الحوز تعليق الدراسة وتجميع أفراد الأسرة في خيمة واحد. وهي محطة مهمة لاستكشاف إيجابيات التواصل والتحاور والتداول الواقعي داخل العائلة الصغيرة. ومن تم توطيد العلاقات الواقعية وتمتين الأواصر الأسرية بين الآباء والأبناء. فمن حسنات الزلزال عودة الأبناء لحضن الآباء والأمهات والمساهمة في الافلات من قبضة فضاء افتراضي يعج بالأخبار الزائفة والتيه الهوياتي الناتج عن الادمان الافتراضي. وبالتالي إعادة مقولة “المراقبة” الأبوية كعنصر من عناصر التنشئة الاجتماعية حيث صار بمقدور الآباء مراقبة أبنائهم، لأن هذه المراقبة أو “المصاحبة” ستمكن من إيقاف المد الافتراضي وإعادة تثبيت قيم المواطنة الواقعية ومساءلة القيم الافتراضية. أو بعبارة أخرى تعميق القيم المحلية والوطنية وترسيخ ممارسة التواصل الواقعي وتقنين وضبط سلوكيات التواصل الافتراضي.
كما نسجل من حسنات الزلزال تنامي الحس الوطني والمبادرات الفردية والجماعية كشفت بشكل غير مسبوق تشبع الأبناء بقيم الآباء والأجداد؛ قيم التضامن والتكافل والتعاون. فليس عيبا أن نثني على مجهودات الشباب الوطني الغيور الجالس خلف شاشة الهاتف وهو يطلق نداءات المساعدة وجمع التبرعات لفائدة الأسر المنكوبة. ومن الوقاحة أن نعدمهم حقهم في التعبير أو نستصغر قدرتهم على تحمل المسؤولية والتغيير. فهؤلاء الشباب هم عمدة الوطن ورجال الغد، وكل تغيير ومحاربة فساد يكون على أيديهم. ألم تر أن من حطم الأصنام كان فتى يدعى إبراهيم “قَالُوا۟ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـَٔالِهَتِنَاۤ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ. قَالُوا۟ سَمِعۡنَا فَتى یَذۡكُرُهُمۡ یُقَالُ لَهُۥۤ إِبۡراهيم”. صدق الله العظيم